روسيا، إسرائيل وسوريا- تصعيد متسارع ينذر بتغييرات دراماتيكية؟

إن التقارير الإعلامية العربية والدولية حول تصدي الدفاعات الجوية السورية والروسية لهجمات إسرائيلية قرب مدينة جبلة السورية، المتاخمة لقاعدة حميميم التي تحتضن القوات الروسية، لا تقتصر على إثارة الشكوك حول صحة هذه الأنباء، بل تفتح آفاقًا واسعة من التساؤلات الجوهرية المتعلقة بالتطورات المتسارعة والتحولات الجذرية في المنطقة، والتي قد تؤثر بشكل كبير على الدور السياسي والعسكري الروسي فيها.
بغض النظر عن حقيقة مشاركة الدفاعات الجوية الروسية في ردع الهجوم، أو إذا كان الأمر مجرد محاولة إعلامية لاستدراج موسكو أو إجبارها على اتخاذ موقف قد لا ترغب في توضيحه في الوقت الحالي، فإن هذه الافتراضات تلقي الضوء على رؤية صناع القرار في روسيا للتطورات الراهنة في المنطقة، خاصة مع ازدياد حدة الصراعات وتزايد التدخل الإيراني المباشر.
خلف الستار
من الضروري الانتباه إلى أن "المرصد السوري لحقوق الإنسان" ومقره لندن، هو من بدأ في نشر هذه الأخبار، حيث أفاد بوقوع سلسلة انفجارات عنيفة في المدينة، والتي سمعها السكان المحليون. وادعى المرصد أن التصدي للهجوم لم يقتصر على قوات الدفاع الجوي السورية، بل شارك فيه أيضًا عسكريون روس، نظرًا لقرب قاعدة القوات الجوية الروسية من المدينة.
ووفقًا لتقارير صحفية عربية وغربية، كان هدف الطائرات الإسرائيلية طائرة نقل عسكرية تحمل شحنة أسلحة من إيران إلى مقاتلي حزب الله اللبناني.
ومع ذلك، من المهم تذكير أن بريطانيا، التي ينطلق منها هذا المرصد، ليست مجرد مراقب، بل هي على دراية بالتفاصيل وتعرف متى ومن يجب أن تتهم. لذا، من المرجح أن يكون الهجوم من تنفيذ وكلاء بريطانيا بالوكالة تحت ستار إسرائيل، التي بدأت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في استنفاد "أوراقها" بشكل دمويّ يتسم بالتخبط والجنون.
في كل الأحوال، يجب ألا نغفل التوتر الذي يحيط بالعلاقات الروسية الإسرائيلية في الوقت الحالي، والذي لم يعد الطرفان يسعيان لإخفائه، على عكس ما كان سائدًا حتى وقت قريب.
تحذيرات
إضافة إلى ذلك، لطالما تجنب الإسرائيليون شن هجمات في سوريا قد تلحق الضرر بالجيش الروسي المتمركز هناك، وذلك لتجنب الدخول في صراع مع موسكو. فقد اعتادت الهجمات الإسرائيلية في الجبهة السورية استهداف مواقع تابعة للحكومة السورية أو للإيرانيين.
إلا أن بعض وسائل الإعلام تدعي أن الهدف من الهجوم كان مستودع ذخيرة روسيًا. ومع ذلك، هناك شكوك منطقية حول اختيار الروس لتخزين معدات بهذه الأهمية خارج قاعدتهم الكبيرة والمحصنة في حميميم، ووضعها في مدينة جبلة القريبة. بعبارة أخرى، لم يكن الهدف قاعدة حميميم نفسها. ومن غير المرجح أن يتم تنفيذ هجوم كهذا في هذه المرحلة، لأنه سيؤدي إلى تصعيد غير مبرر.
في المقابل، تتزايد تساؤلات السوريين حول سبب عدم تدخل الدفاعات الجوية الروسية لصد الهجمات الإسرائيلية على أهداف داخل البلاد.
يمكننا هنا أن نفترض أن هذه الواقعة قد تزيد من انعدام ثقة السوريين تجاه روسيا. فعلى الرغم من أن الهدف كان جبلة، إلا أن الصواريخ الإسرائيلية شكلت خطرًا حقيقيًا على المناطق المحيطة. كما أن تدمير المستودعات التي يستخدمها الإيرانيون والسوريون بالقرب من حميميم يحمل رسالة غير مريحة لموسكو.
وبما أن الإسرائيليين يتصرفون الآن بدون رادع، وبما أن الجانب الروسي يكتفي بالدعوة إلى وقف التصعيد والعودة إلى طاولة المفاوضات، فإن مثل هذه الحوادث قد تتفاقم في المستقبل وتؤدي إلى عواقب وخيمة.
إلى جانب ذلك، فإن قصف قاعدة جوية تعتبر أرضًا روسية ذات سيادة داخل سوريا، بحجة وجود وفد أو طائرة إيرانية هناك، قد يشعل فتيل اشتباك روسي إسرائيلي، وإن كان بشكل غير مباشر.
روابط التحالف
دعونا نتذكر أن الإيرانيين هم حلفاء لروسيا، حيث تم توقيع اتفاقية استراتيجية منذ فترة وجيزة، يفترض أننا نتشارك، من حيث المبدأ، عدوًا مشتركًا ومسارًا موحدًا تجاه الإسرائيليين. ولكن على أرض الواقع، هذه مجرد كلمات في الوقت الحالي، وقد تتغير الأمور إذا تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء تجاه القوات الروسية في سوريا.
ويعزز هذه الفرضية تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق بأن موسكو قد تزوّد من وصفهم بأعداء الولايات المتحدة بأسلحة متطورة وتقنيات صاروخية تعزز قدراتهم على مهاجمة المصالح الأميركية. فمن يضمن ألا تفعل موسكو الشيء نفسه مع خصوم إسرائيل؟
هذه الأحداث قد تعيدنا إلى حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، والتي على الرغم من تردد القيادة السوفياتية في تلبية جميع احتياجات الجيش المصري، إلا أنها في النهاية فعلت ذلك، وهو ما أشارت إليه مذكرات العديد من القادة العسكريين المصريين.
والأهم من ذلك هو ما تم الكشف عنه بعد عقود طويلة، وهو أن الطيارين السوفيات شاركوا بشكل مباشر في إسقاط طائرات إسرائيلية خلال العدوان على مصر. فهل يعيد التاريخ نفسه الآن وفي نفس الشهر ولكن بعد 51 عامًا؟
في كل الأحوال، تتعرض سمعة القوات الروسية في سوريا لضرر بالغ. ولا شك أن الإسرائيليين يعتقدون أنهم إذا لم يتدخل الروس الآن، فسيتمكنون من التمادي إلى أبعد من ذلك. ومن يضمن ألا تختار الحكومة الحريدية قاعدة حميميم الجوية لتكون هدفها القادم؟